في صيف عام 1996، وتحديدا في شهر يوليو/تموز، كان ثمة مفكّر مصري يحاضر في العاصمة البريطانية لندن أمام مجموعة من الحضور، غالبيتهم من العاملين والمهتمين بالقضية الفلسطينية. تحدث المفكّر حينها عن ما أسماه “عقلية الترانسفير في الفكر الصهيوني” وخطرها على القضية الفلسطينية. في ذلك الوقت، كانت هناك جهود موازية تصب في خدمة القضية الفلسطينية، لكنّ حدث أوسلو شكّل حالة من الصدمة والركود في العمل الفلسطيني بأوروبا.
فبعد 3 سنوات على اتفاقية أوسلو، التي كان يفترض أن تمنح الفلسطينيين دولة على ما تبقى من أرضهم، كان العاملون لفلسطين والمهتمون بقضيتها يستشعرون الخطر المحدق بعد خفوت الانتفاضة الأولى ودخول القضية الفلسطينية في مسار من النكوص السياسي والفكري الذي شكلته ما تُعرف بعملية السلام. فهذه الدولة التي أُعلن قيامها، كانت تعني بالمقابل إلغاء حق عودة الفلسطينيين المهجرين قسرا من أرضهم عامي 1948 و1967، عدا عن أمور أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
في ذلك الوقت الحرج تاريخيا، كان المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري يحاضر في المؤتمر الأول لمركز العودة الفلسطيني الذي تأسس في لندن ذلك العام. لم يكن المسيري حينها محاضرا فقط، بل كان عضوا استشاريا أساسيا للمركز الذي ما زال قائما حتى يومنا هذا. أما من نقل هذه القصة، فهو ماجد الزير، رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية، والرئيس السابق لمركز العودة منذ تأسيسه وحتى عام 2021.
لم يكن حديث المسيري في المؤتمر ضربا من الاستثناء في مسيرته الفكرية، فهو المعروف بكتابه الموسوعي حول الحركة الصهيونية، ومؤلفات فكرية أخرى تتصل بفلسطين. أما على الميدان، فكانت لإسهاماته آثار ما زالت حاضرةً خلال العمل لأجل فلسطين في أوروبا.
أثناء تلك المحاضرة، كان المسيري يقول إننا لا يمكن أن نُرجع اللاجئين الفلسطينيين وأفواجُ اليهود تتدفق إلى فلسطين. تحاول هذه الفكرة الإجابةَ عن أحد أكثر الأسئلة إشكالية في البيئة الغربية، وهي: هل تريدون إبادة اليهود الموجودين اليوم على أرض فلسطين التاريخية لإقامة دولة فلسطينية؟ أما الإجابة فهي لا، لكنّ المطلوب أن يوضع حدٌّ لما يُعرف “بقانون العودة الإسرائيلي” الذي حذر المسيري منه كثيرا، في مقابل تطبيق حق العودة الفلسطيني الذي تكفله القوانين الدولية.
يحصر هذا الجواب الحلول المطروحة لحل ما يُعرف بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي كي تتجه نحو مسار واحد، وهو تأسيس دولة تحكم فيها الأغلبية. هذا الخيار سيرفضه الإسرائيليون بالتأكيد، على اعتبار أن أرقام السكان اليوم، دون عودة اللاجئين من الخارج، يتفوق فيها الفلسطينيون ديمغرافيا، فماذا لو عاد اللاجئون من الخارج؟ الأكيد أن الكفة ستميل بفارق واضح ناحية الفلسطينيين، وهو ما لا يمكن أن تقبل به إسرائيل، كما أن الدولة الإسرائيلية في جوهرها بُنيت على التوسع والإقصاء.
أحد الشخصيات أيضا التي كان لها إسهام هام في مركز العودة، والعمل الفلسطيني في أوروبا، هو المؤرخ والباحث الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة، حيث أصّل لحقيقة التوزيع الديمغرافي في فلسطين التاريخية، وفي وصف حق العودة بأنه “حق مقدس قانوني وممكن أيضا”. كما كشف أبو ستة عورات منطلقات “المشروع الصهيوني”، خاصة في موضوع عدم اتساع الأرض وعدم اتساع اللاجئين على أرض فلسطين التاريخية.
كانت هذه الطروحات -للمسيري وأبو ستة- بالنسبة للعاملين للقضية الفلسطينية في الغرب، تشكيلا للمنطلقات الفكرية الإستراتيجية، والتي نقلت العاملين لفلسطين من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، كما يصف الزير. وأدى ذلك إلى اتجاه ومسار فكري يتبناه مركز العودة حتى اليوم، وهو “إلغاء قانون العودة الإسرائيلي”، وتطبيق حق العودة الفلسطيني كما أشرنا.
ودون استفاضة في إسهامات المفكرين والباحثين، التي لا يتسع المقام لحصرها ولا حصر أثرها، فإن مشاركة الكثير من المفكرين والسياسيين والناشطين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين لنصرة هذه القضية، ساهمت بفاعلية في وضع الأسس لأجل نصرة القضية الفلسطينية في بلاد الشتات، الأوروبية تحديدا، واعتبارها قضيةً تتجاوز القُطر الضيّق، نحو مفهوم الأمة الأوسع.
وفي هذا التقرير سنحكي جانبا مختصرا من رحلة العمل لأجل فلسطين في أوروبا عبر جولة مع ماجد الزير، وهي رحلة لا تفيد حصرا العاملين لأجل فلسطين، بل تمتد إلى إفادة أصحاب الرؤى الحضارية من مختلف القضايا للعمل في المناطق الجغرافية البعيدة عن أوطانهم. ففي قلب الجغرافيا الصعبة، التي كانت موطنا لبزوغ الحركة الصهيونية وتلقي الدعم غير المحدود لإقامة دولة إسرائيل والحرص على استمراريتها، اشتغل الفلسطينيون والمؤمنون بهذه القضية العادلة للخوض في غمار ما يصفها البعض “بالمهمة المستحيلة”.
ومع أن هذه الرحلة بصحبة ماجد الزير، فإنه يؤكد باستمرار على جهود المئات من الشخصيات الوطنية الفلسطينية التي ساهمت بفاعلية، على المستوى التنظيمي والقانوني والسياسي والتأصيل الفكري، والتي ما زالت تعمل لأجل هذه القضية حتى اليوم.
مركز العودة، ومؤتمر فلسطينيي أوروبا
توجد بيئات عمل صعبة، لكن لا توجد بيئات عمل مستحيلة
- ماجد الزير، رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسي
الساعة السادسة صباحا، وفي أحد فنادق الدوحة، التقيتُ بماجد الزير الذي جاء زائرا من مقر إقامته في ألمانيا. وقبل أن يبدأ ضجيج الدوامات وزحام الاجتماعات، التقينا على مائدة الإفطار التي لا أذكر منها سوى كأس القهوة، ربما لأن الانشغال بسماع التجربة التي امتدت لأكثر من 30 عاما، لم تكن تكفيها الساعات الثلاث، ولم يصلح معها الانشغال الجانبيّ.
إضافة إلى الحوار، أطلعني الزير على ثلاثة كتب لتوثيق هذه المسيرة الممتدة، أولها كتاب “للعودة أقرب”، وهي مجموعة من المقالات التي كتبها ماجد خلال أكثر من 30 عاما تفاعلا مع مستجدات الأحداث، ووصفا لآراء ومواقف في العمل الشعبي الفلسطيني. أما الكتاب الثاني الذي سيصدر قريبا، فهو كتاب “العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا.. الإنجازات، التحديات، والآفاق”، وقد كتبه بالاشتراك مع ماهر حجازي. والثالث كتابٌ قيد الإنجاز، يحمل عنوان “عوامل بقاء القضية الفلسطينية حيّة”، وهو تأليف مشترك بينه وبين إبراهيم العلي، وقد كُتب في إطار تجربة الكاتبيْن الميدانية وتأصيلهما الفكري ومعالجتهما لنقاط القوة لدى الشعب الفلسطيني في طور نضاله لاستعادة أرضه، والتي ساهمت بشكل متقدم في بقاء جذوة القضية مشتعلة، سواء الذاتية منها أو الخارجية، وذلك بهدف تغذيتها وتطويرها.
أثناء الحديث، برزت ثلاث ثيماتٍ أساسية شكلت مسارات النقاش، أولاها كانت واضحة، وهي التفاعل المستمر بين جغرافيا القارة الأوروبية والعمل الفلسطيني داخلها، وبين فلسطين، وعدم اعتبار العمل لأجل فلسطين منعزلا جغرافيا وفكريا عمّا يجري في الداخل الفلسطيني. فمركز العودة، بما تحمله رمزية الاسم من معانٍ، جاء بعد اتفاق أوسلو، مع استشعار الخطر الداهم على القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
أما مؤتمر فلسطينيي أوروبا فقد تأسس عام 2003، بعد تسريب اتفاقية جنيف التي وُقعت في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، والتي قرأ المنظمون فيها خطرا على حق العودة وقضية اللاجئين، وهو ما سوّقه الموقعون على تلك الاتفاقية بوصفه إنهاءً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد جاء هذا المؤتمر تأكيدا على التمسك بقضيتهم وحقوقهم، وحملت نسخته الأولى شعار “لن نتنازل عن حق العودة”، وما زال يقام حتى يومنا هذا في عواصم أوروبية مختلفة. كما مُنح مركز العودة عضوية الأمم المتحدة عام 2015، وبات له انخراط في العملية السياسية، في بريطانيا أولا، ثم بعد ذلك في عواصم أوروبية أخرى.
إضافة إلى ذلك، ومع التحديات الثقافية، أقام المؤتمر فعالية سنوية تحت عنوان “انتماء”، تُقام في شهر مايو/أيار من كل عام، وتهدف إلى الحفاظ على الهُوية الفلسطينية، وتعزيز الشعور الوطني، وإنعاش الذاكرة الجمعية، وتمسك الشعب الفلسطيني في الشتات بحقوقه الوطنية. كما أن المؤتمر يحرص على ترسيخ فكرة العودة واقعا، إذ أطلق ممارسة ثقافية تُدعى “قوافل العودة”، وفيها تدخل كل دولة على حدة إلى المؤتمر باعتبارها قافلة ستعود يوما ما، وتجسيدا لفكرة العودة الواقعية إلى أرض فلسطين. كما انبثق عن مركز العودة العديد من المشاريع الإستراتيجية لصالح الحفاظ على حق العودة. وبهذا تبرز أهمية المؤسسات، بوصفها الإطار القانوني والمؤسسي الذي يمكن أن تنتقل تجربته إلى شرائح أوسع وأجيال قادمة.
أما الثيمة الثانية التي يعكسها كذلك كتاب العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا، فهي أهمية مأسسة العمل وتوثيق التجارب وتبادل الخبرات ونقلها للأجيال الصاعدة، فكما يقول الزير: من مسؤوليتنا أن نعرض على الأجيال اللاحقة أبرز ما قمنا به، حتى نختصر عليهم الطريق، ونتيح لهم المعارف التي يستطيعون البناء عليها. فانتشار الفلسطينيين في أكثر من 100 دولة، وانتشار المؤمنين بهذه القضية، يُحتّم أهمية العمل المنظم عبر تقييم التجارب ومأسستها، سواء على مستوى الهياكل، أو المنطلقات الفكرية، أو العرض الموضوعي للفرص والتحديات، بالإضافة إلى أهمية إنشاء مؤسسات عابرة للحدود، من أجل الإسهام في بناء عمل وطني موحد في القارة الأوروبية.
وكمثال على ذلك، ثمة فصل كامل في كتاب “العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا”، يحمل عنوان: كيف يبدأ التحضير لعقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا؟ وفي هذا الفصل، يعرض المؤلفان التفاصيل الدقيقة لإقامة المؤتمر، بدءا من اللجان ودورها، وصولا إلى تحديد اسم المؤتمر ومكان إقامته وضيوفه. ويؤكد الزير على الأهمية البالغة للتوثيق والأرشفة، والتي يخصص لها المؤتمر لجنة خاصة. كما يستعرض الكتاب أهمية دور المرأة المركزي، وأهمية استطلاعات الرأي السنوية لتقييم المؤتمر، وأخذها بعين العناية والاعتبار في تطوير ما هو قادم، إلى جانب كثير من التفاصيل الأخرى التي يحويها الكتاب.
أما اليوم، فقد عُقد أكثر من 20 مؤتمرا، وبات يشارك فيه الجيل الجديد المولود في أوروبا، مع استلامه لأدوار قيادية وتنظيمية. وكان هؤلاء ممن قادوا حراك الجامعات وحتى الشارع، نصرةً لفلسطين بعد الحرب الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة.
وتحضر الثيمة الثالثة في النقاش عبر التطرق مرارا لأهمية انخراط جميع الطاقات من أجل هذه القضية، حيث يذكر الزير أهمية العمل بمجالاته المختلفة؛ السياسي والشعبي والإعلامي والقانوني والإنساني، وغيرها من المجالات المحتملة. يقول الزير: من المهم جدا دوام التحرك حتى بجُهد المُقل، وهذا من شأنه أن يعظم النتائج لمصلحة القضية الفلسطينية أو أي قضية أخرى. فكثير من الثمار التي حققناها من خلال العمل الفلسطيني في أوروبا، جاءت من بذور بسيطة، لم نكن نتوقع أن تسهم في نتائج بهذا الحجم.
فقصة المسيري، وغيره من المفكرين والأكاديميين والناشطين الذين ساهموا، بقليل أو كثير من الجهد في هذا العمل، تُعد دليلا على أهمية الانخراط الفاعل. ورغم هذه الإنجازات التي نراها اليوم، يكرر الزير باستمرار أن حجم العمل لا يرقى بعدُ إلى المستوى المأمول، ولا يتلاءم مع حجم الحدث وأهمية القضية، ويقول إنّ على الفلسطينيين المهجّرين، وعرب المهجر، أن يستثمروا هذه التغيرات بصيغة أفضل، إذ ما زالت الشريحة الأكبر من المتظاهرين والفاعلين الداعمين للقضية الفلسطينية؛ من غير العرب والمسلمين.
أوروبا والحرب على غزة
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاه من شنِّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية على غزة تجاوزت اليوم شهرَها العاشر دون أفق واضح لوقف نزيف الدماء، شهدت القارة الأوروبية زخما متصاعدا في المظاهرات المناصرة لفلسطين، والرافضة للحرب الإسرائيلية على القطاع.
زخم وثقه المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام “إيبال” بقيام ما يزيد عن 22 ألف مظاهرة وفعالية في أكثر من 600 مدينة تتوزع على نحو 20 دولة أوروبية، وذلك بعد مرور أكثر من 10 أشهر على بدء عملية “طوفان الأقصى”.
كان هذا الحضور الواسع لغير العرب والمسلمين في المظاهرات، دافعًا لحديث الزير حول أهمية ألا يتم التعاطي مع أوروبا بوصفها كتلة صمّاء منحازة إلى إسرائيل، بل مساحة يمكن التحرك والتأثير فيها، وذلك بالنظر إلى أن العمل السياسي هو في جوهره عمل لكسب النقاط في كافة المجالات لصالح القضية التي تعمل لأجلها، وأن الحراك الذي شهدته أوروبا يثبت أن ثمة أرضية يمكن الاشتغال والبناء عليها.
هذا على مستوى الحراك، أما على صعيد التغيرات، فيقول الزير إنّ ما “بتنا نشهده اليوم في الغرب ليس بالأمر الهين، فهذا المشروع (أي إقامة إسرائيل) خُطط له وتمت تغذيته من الغرب، لذا فإن عامل العلاقة بين الغرب وهذا المشروع الاستيطاني هو عامل عضوي”. ويقول “إننا لا نتحدث هنا عن شأن خارجي بالنسبة لكثير من الدول الغربية، بل عن شأن محلي بامتياز”، وهذا يفسر ما سماها الزير “الهستيريا التي تعاطت بها الدول الغربية مع ما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول”.
وفق هذه المعطيات، تبرز الأهمية البالغة لمواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان لسيل المعلومات الهائل الذي كان يتدفق مباشرة إلى هواتف الناس، أثرٌ مهم في حجم المظاهرات التي ملأت الشوارع، فالمجتمع بكل تنوعه وخلفياته السياسية كان جزءا فاعلا من هذا الحراك، وجزءا فاعلا من انعكاس ذلك على مستوى اللغة التي بات يستخدمها بعض “نُخب المجتمع” لصالح إدانة جرائم الاحتلال.
لكن هذه المعطيات الإيجابية إن صح الوصف، لا تعني أن السياسة الرسمية الغربية ستتغير مباشرةً ناحية الحق الفلسطيني، لكنها تعني أن المشهد الذي كانت تسود فيه الرواية الإسرائيلية بات أمرا من الماضي، حيث أضحى هناك وعي متزايد بماهية القضية الفلسطينية، وماهية الاحتلال. وهنا يشدد الزير مرة أخرى على أهمية انخراط الجموع في العمل لصالح القضية في هذه اللحظة التاريخية.
التحديات والآفاق
قرب نهاية الجلسة، كنتُ مهتما بالتعرف على التحديات التي تحدق بالعمل الفلسطيني في أوروبا. استطرد الزير في إجابته لأهمية هذه المسألة وحساسيتها، وهو الاستطراد الذي انعكس أيضا في كتبه. أما التحدي الأبرز فهو اللوبي الإسرائيلي في الغرب، وهو ما وصفه بالتحدي الوجودي، فالساحة الأوروبية ذات قيمة وجودية بالنسبة لإسرائيل، ومنها يمكن فهم الهستيريا التي تصيب أي صعود للحراك المؤثر في هذه الجغرافيا، لذلك يحاربوننا أمنيا وماليا وإعلاميا وقانونيا.
في عام 2010، وضعت إسرائيل مركز العودة وأمناءه وطاقمه التنفيذي على قوائم الإرهاب، بقرار من وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك، وهو ما قاد إلى توظيف اللوبيات الداعمة للاحتلال لهذا المعطى من أجل تشويه كافة العاملين، وتشويه المؤتمرات، ومحاولة منعها. كان لهذا التصنيف تبعات كثيرة، ليس أقلها التواصل مع أهلنا في أراضي 48، بالإضافة إلى التضييقات التي طالت أهالي العاملين، سواء في أوروبا، أو حين محاولتهم دخول الأراضي الفلسطينية.
لكن، ورغم تلك التضييقات، والتصنيف الإسرائيلي، فإنه بعد خمسة أعوام، وتحديدا في عام 2015، حاز المركز على عضوية الأمم المتحدة ضمن المنظمات غير الحكومية، مما عكس حالة من الاحترافية من حيث الشكل والمضمون وكافة المجالات التي تدحض الحجج الإسرائيلية في تصنيف المركز والعاملين فيه.
أما التحدي الثاني، فقد كان الدور السلبي لبعض سفراء السلطة الفلسطينية، وعملهم المضاد للعمل الفلسطيني، تشويها وتعويقا، مما يضر بالعمل، ويُضعف الحضور والتفاعل. ورغم الدور السلبي لبعض السفراء، فلا بد من الإشارة إلى دور إيجابي جدا أداه سفراء آخرون من السلطة الفلسطينية، كانوا يصبون تركيزهم على تعزيز الجهود الوطنية ودعمها.
ثالث تلك التحديات، هو كثرة المؤسسات دون مضمون، ورغم حديث الزير عن أهمية بناء المؤسسات وتوحيد الجهود، فإن بناء مؤسسات دون رؤية وإستراتيجية، يشتت الجهود ويزيد التنافس غير الإيجابي، ويضعف الجهود القائمة أكثر مما يقويها.
أما رابعها، فهو تحدي إيجاد من يحترف العمل للقضية في ظل القلق من الملاحقات الأمنية والقانونية والإمكانات الضعيفة، خاصة في ظل حاجة الأجيال الناشئة والجديدة في الغرب إلى بناء حياتهم المهنية، مما يقود في المحصلة إلى عدم توافر الكفاءات الشابة والمتفرغة للعمل من أجل فلسطين.
وخامس التحديات، تنوعُ الانتماءات والرؤى وانعكاس الأحداث السياسية في العالم العربي على انقسام العاملين للقضية الفلسطينية في أوروبا، ما بين مؤيد لموقف سياسي ومعارض له، وهو ما يحتاج من العاملين للقضية أن يقفوا على أرضية ومنهجية واضحة.
أما التحدي السادس والأخير الذي سنعرضه هنا، فهو تحدي التمويل في ظل التضييقات الأمنية، مما يترتب عليه عدم القدرة على تفريغ الطاقات والكوادر لتعزيز التخصصية والاستمرارية.
بالمقابل، فإن آفاق العمل الفلسطيني في أوروبا كثيرة، إن أُحسِن استثمارُها والتخطيط لها، وهنا يطرح الزير أربعة أبعاد لهذا العمل أولها؛ البعد الوطني الفلسطيني: إنشاء تيار وطني يتبنى السردية الفلسطينية ويدافع عن حقوقه المشروعة، ويعمل على توعية الأجيال الناشئة والتأكد من تمسكها بهويتها. كما يبرز في هذا البعد أهمية نشوء تيار ديمقراطي يمثل الوجود الفلسطيني ويطوّر من أدائه، ويطور جانبا ديمقراطيا يعتمد الانتخابات في القلب منه، كل ذلك في ظل مرجعية فلسطينية تمثل جموع الفلسطينيين وتعبّر عن طموحاتهم وتطلعاتهم.
كما يؤمن الزير بالحاجة الوطنية الإستراتيجية إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، على أسس ديمقراطية ومرجعية فصائلية تعتمد الانتخابات الديمقراطية في الداخل والخارج حيث أمكن، لتفرز مجلسا وطنيا فلسطينيا جديدا يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني الحقيقية في دحر المحتل وتحرير الأرض وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الثاني؛ هو البعد العربي والإسلامي، وأهمية الانفتاح على كافة الجهود والخبرات وانخراطها في تنظيم الفعاليات ودعمها، وهو ما يشمل مستوى الدول والمؤسسات، فوجود علاقات رسمية مع دول ومؤسسات يفتح آفاقا أوسع وأكثر تأثيرا.
وهناك البعد الأوروبي وامتداده الدولي، ويتم فيه تنظيم زيارات وفود للمخيمات الفلسطينية، وبناء علاقات فاعلة مع سياسيين وقانونيين وحقوقيين يمكن أن يسهموا في زيادة الضغط والزخم العالمي الرامي إلى نيل الشعب الفلسطيني حقوقه.
أما البعد الأخير والأهم، فيتصل بمواجهة الاحتلال وأذرعه الممتدة في أوروبا في كافة المناحي، وهذا يتطلب الخلاصة التالية التي أنهى بها الزير حديثه، وهي أنه لا بد من:
- بناء الخطط والإستراتيجيات.
- إنشاء تيار فلسطيني وطني يمثل فلسطينيي الشتات بصيغة ديمقراطية.
- بناء مؤسسات فاعلة وعابرة للحدود.
- التواصل مع السياسيين.
- العمل تحت سقف القانون.
- بناء عمل وطني موحد في القارة الأوروبية.
- الاستفادة من كافة الطاقات.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على المصدر اعلاه وقد قام فريق التحرير في كل المصادر بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
التعليقات