المقبرة الجماعية هي كل أرض دفن فيها أكثر من “رُفات”. وارتبطت غالبا بجرائم الإبادة الجماعية، أو بقمع الاحتجاجات والمظاهرات التي استعمل فيها السلاح في وجه المتظاهرين؛ حيث تدفن جثثهم دون اتباع الأحكام الشرعية والقيم الإنسانية الواجب مراعاتها عند دفن الموتى، بقصد إخفاء معالم الجريمة التي يقوم بها فرد أو جماعة أو هيئة، وهو ما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان.
وقد ترتبط المقابر الجماعية أيضا بالمجاعات أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية وكذلك بالحروب. وتحتوي المقبرة الجماعية على عدة جثث تكون في الغالب لأشخاص غير معروفي الهوية، ولا يوجد عدد محدد من الجثث لاعتبار المقبرة “مقبرة جماعية”.
تعريف المصطلح
وتُعَرِّف الأمم المتحدة المقبرة الجماعية بأنها كل قبر واحد أو حفرة أو سرداب يحتوي على 3 جثث بشريّة أو أكثر، وقد دفنوا بعد إعدامهم، سواء أكانت هويتهم معروفة أم غير معروفة.
أسباب اللجوء للمقابر الجماعية
تاريخيا، يعود اللجوء إلى المقابر الجماعية إلى عدة أسباب. أحد أهم هذه الأسباب هو وقوع صراعات كبيرة وحروب دموية، حيث يتم استخدام المقابر الجماعية لإخفاء آثار الجرائم التي ارتُكبت وضمان عدم ظهورها للعلن.
بعد ذلك، تأتي أسباب أخرى مثل الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة والمجاعات. ويتم استخدام المقابر الجماعية في هذه الحالات للحد من انتشار العدوى والسيطرة على الاضطرابات التي ترافق تلك الكوارث.
أحكام المقابر الجماعية في الفقه الإسلامي
تُعدّ مسألة دفن الموتى في المقابر الجماعية من الأمور التي أثارت نقاشا فقهيا واسعا، خاصة في ظل وقوع الكوارث الطبيعية والحروب التي تُخلّف أعدادا كبيرة من القتلى. ويرى جمهور الفقهاء كراهية دفن شخصين في قبر واحد، سواء كانا رجلين أو امرأتين، دون وجود ضرورة مُلزمة. واستندوا في ذلك إلى السنة النبوية. ولكن أجاز الفقهاء دفن اثنين أو أكثر في قبر واحد في حالات الضرورة القصوى.
وأكد الفقه الإسلامي التعامل مع هذه المسألة بما ينسجم مع مبادئ الرسالة الإسلامية الراسخة المؤسسة لتكريم الله تعالى للإنسان حيا وميتا؛ فقد أفتى الإمام النووي (توفي 676هـ/ 1277م) وغيره بأنه لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة، وكذلك صرح السرخسي (توفي سنة 490 هـ) بأنه لا يجوز. وهذا ما جاء كذلك في مصنف أبي إسحاق الشيرازي (توفي عام 476 هجري).
وصرح جماعة من العلماء بأنه يستحب ألا يدفن اثنان في قبر. أما إذا حصلت ضرورة بأن كثُر القتلى أو الموتى في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك، وتَعَسَّر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة وأكثر في قبر بحسب الضرورة. وقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم الاثنين والثلاثة جميعا في قبر واحد من أجل الحاجة؛ وذلك عندما كانت معركة أحد وكثر الموتى، وكان في الناس جراحات ومشقة كبيرة، وهذا دل على جواز ذلك للضرورة فقط، وإلا فالسنة أن يكون كل واحد في قبر مستقل.
أحكام المقابر الجماعية في القانون الدولي الإنساني
بحسب اتفاقيات جنيف التي عُقدت على 4 مراحل من عام 1864 حتى 1949 فقد تم تصنيف الأعمال التي تُصنف جرائمَ حرب، ومن بينها المجازر والإبادات الجماعية والمقابر الجماعية، وسيلاحق فاعلوها ويحاكمون بأشد العقوبات. سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو حتى رؤساء دول، وحتى وإن تصرف الفاعل بأمر من حكومته، أو من رئيسه الأعلى، فإن هذا لا يخليه من مسؤوليته حسب أحكام القانون الدولي، ولكن من الممكن أن يساعده ذلك كأحد الظروف المخففة لصالحه حسب المادة الثامنة من القانون الدولي.
وكمثال على ذلك الرئيس السابق لجمهورية صرب البوسنة رادوفان كاراديتش الذي ارتكب مذبحة سربرينيتشا عام 1995 والتي تسبب خلالها بإنشاء عشرات المقابر الجماعية، قبل أن يُلاحق فترة طويلة وصلت لـ13 عاما ثم يُعتقل في العام 2008 ويقدم للمحاكمة.
وفي العام 2012 قُدم كاراديتش للتحقيق في لاهاي وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من بينها مذبحة سربرينيتشا.
هل كل مَن أنشأ مقبرة جماعية مرتكب لجريمة حرب؟
بحسب القانون الدولي لا يعتبر كل من أنشأ مقبرة جماعية مرتكب جريمة حرب، والسبب أنه ليست كل المقابر الجماعية التي أنشئت كانت بدافع دفن أشخاص تم قتلهم أو إعدامهم. بل إن هناك مقابر جماعية أخرى تم إنشاؤها لدوافع أخرى مثل دفن جثث أشخاص توفوا بسبب كوارث وأوبئة ولم يكن هناك إمكانية لدفنهم بشكل فردي.
مثال ذلك المقابر الجماعية التي أنشئت بسبب الطاعون والإنفلونزا وكورونا. وتنص اتفاقيات جنيف على وجوب دفن الموتى إذا أمكن، وفقا لطقوس الديانة التي ينتمون إليها، ولا يجوز إحراق جثثهم إلا في ظروف استثنائية، منها أسباب صحية قهرية، أو طبقا لديانة المتوفى، أو وفقا لرغبة المتوفى الواضحة.
أشهر المقابر الجماعية عبر التاريخ
لا شك أنه من الصعب جدا التوصل إلى أول من أنشأ المقابر الجماعية، ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن هناك الكثير من المقابر الجماعية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد.
فبحسب صحيفة واشنطن بوست، فقد اكتشفت مقبرة جماعية تضم رفات ما لا يقل عن 27 شخصا تظهر عليهم علامات إصابات قاتلة قرب بحيرة توركانا في كينيا، ويقدر تاريخ إنشاء هذه المقبرة إلى نحو 10 آلاف عام.
كما تم اكتشاف مقبرة جماعية أخرى في قرية بولندية تعود إلى 5 آلاف عام، تحوي جثث 15 شخصا بينهم نساء وأطفال، تم وضعهم بشكل مرتب في المقبرة مع الهدايا. وبعد إجراء تحاليل الحمض النووي تبين أن جميع هؤلاء الأشخاص هم من عائلة واحدة.
وعرف عصرنا الحالي الكثير من المقابر الجماعية حول العالم، منها ما كان سببها حروبا وصراعات وانقلابات عسكرية، ومنها ما كان سببها كوارث طبيعية وأوبئة ومجاعات. أشهرها:
أكثر من ألفي مقبرة جماعية في إسبانيا
ذكرت صحيفة التلغراف أنه يوجد في إسبانيا وحدها ما يقدر بأكثر من ألفي مقبرة جماعية تحوي مئات الآلاف الذين قُتلوا جميعا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية الممتدة من 1936 إلى 1939.
وتعد الحرب الأهلية الإسبانية التي اندلعت بين القوميين والجمهوريين واحدة من أكثر الحروب الأهلية تسببا بخسائر بشرية حول العالم، حيث تقدر أعداد القتلى من الطرفين بأكثر من نصف مليون شخص.
مقابر مذبحة سربرينيتشا الجماعية في البوسنة
أجري في جمهورية البوسنة والهرسك استفتاء من أجل الاستقلال عقب تفكك الاتحاد اليوغوسلافي خلال أوائل تسعينيات القرن الـ20 قاطعه الممثلون السياسيون للصرب البوسنيين، لكن النتيجة جاءت لصالح الاستقلال.
وعلى إثر إعلان النتيجة، هاجمت القوات الصربية البوسنية، بدعم من الحكومة الصربية لسلوبودان ميلوسوفيتش والجيش اليوغوسلافي الشعبي، جمهورية البوسنة والهرسك من أجل توحيد وتأمين الأراضي الصربية.
وتبع ذلك الصراع تطهير عرقي للمسلمين البوشناق، فارتكبت الكثير من المجازر أشهرها مذبحة سربرينيتشا التي راح ضحيتها 8 آلاف مسلم دفنوا جميعا في مقابر جماعية.
مقابر جماعية في كوريا الجنوبية
عام 1950 وعندما هاجمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، استمرت الحرب 3 سنوات انتهت بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار عام 1953، ولكن بعد أن خلفت نحو 1.2 مليون شخص من الطرفين. ومن بين هؤلاء القتلى أشخاص من كوريا الجنوبية يقدر عددهم بما بين 100 إلى 200 ألف شخص تم الإبلاغ عنهم للحكومة على أنهم متعاونون مع كوريا الشمالية، فتم إلقاء القبض عليهم وإعدامهم على أنهم خونة ودفنوا داخل مقابر جماعية.
المقابر الجماعية في العراق
بعد انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق باتت ظاهرة المقابر الجماعية السمة الأبرز في العراق، ففي كل فترة تكتشف مقبرة جديدة يتراوح أعداد القتلى فيها ما بين 5 و100 شخص، قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية أو مليشيات أخرى.
ويقدر مسؤولون في الحكومة ووزارة الداخلية العراقية وجود ما لا يقل عن 700 مقبرة جماعية في العراق، تعود غالبيتها إلى الفترة الممتدة بين 2014 و2017، أي في الفترة التي كانت مناطق واسعة من العراق تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقد تركزت جغرافيا المقابر الجماعية تلك في المناطق الشمالية والغربية من العراق، وتحديدا نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى. وتشير تقديرات مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى أن أعداد المدفونين في تلك المقابر الجماعية يتراوح من 6 آلاف إلى 12 ألف شخص.
المقابر الجماعية في سوريا
ويوجد في سوريا مئات المقابر الجماعية خاصة في بدايات الثورة السورية وتحديدا بين عامي 2013-2017. أبرز تلك المقابر الجماعية مقبرة قرية الفخيخة في الرقة شرقي سوريا وتحوي جثث 3500 شخص قتلهم تنظيم الدولة خلال سيطرته على المدينة.
وشهد عدد من العاملين لدى النظام السوري، حسب تحقيق لـ”إيه جي +”، عن دفن أعداد كثيرة -من جثث معتقلين قتلوا تحت التعذيب- في حفر كبيرة أعدها النظام وطلب منهم نقلها من ثلاجات الموتى إلى الحفر، ويوضح فيلم الجزيرة “حفار القبور” انتشار المقابر الجماعية في البلاد.
مقابر جماعية في أيرلندا بسبب المجاعة الكبرى
حدثت مجاعة كبرى في أيرلندا بين عامي 1845 و1852، وتسببت بوفاة أكثر من مليون شخص وهجرة مليون آخر، إذ كان ثلث سكان أيرلندا يعتمد على أكل البطاطا في التغذية بسبب الفقر، ولكن حدوث آفة زراعية تسمى اللفحة تسببت في فساد محاصيل البطاطا في أوروبا وأيرلندا.
وبسبب العدد الكبير للوفيات والفقر دفن الموتى في مقابر جماعية. وفي إحدى عمليات التنقيب الحديثة اكتشفت مقبرة جماعية تحوي أكثر من ألف جثة.
مقبرة لندن الجماعية بسبب الطاعون الأسود
أثناء تفشي الطاعون الأسود في أوروبا منتصف القرن الـ14 وتحديدا خلال الفترة من عام 1348 حتى 1350م عصف بلندن وباء الطاعون الأسود، الذي استمر لـ18 شهرا وأدى إلى وفاة أكثر من نصف سكان المدينة.
اضطر أسقف لندن إلى شراء ممتلكات تسمى “الأرض الحرام” لدفن ضحايا الطاعون، كما اشترى أحد الإنجليز قطعة أرض مجاورة، تبلع مساحتها 13 فدانا لنفس الغرض، لدفن الضحايا على عُمق أكثر من 5 أمتار لأول مرة، وفقا لموسوعة “تاريخ لندن” للمؤرخ الأسكتلندي ويليام ميتلاند، الذي وجد العديد من القبور الجماعية والجثث المكدسة.
مقابر جماعية بسبب الإنفلونزا الإسبانية
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 تعرضت إسبانيا لوباء الإنفلونزا الذي انتقل بعدها إلى غالبية دول العالم، حاصدا أرواح ما يقرب من 50 مليون شخص؛ الأمر الذي تسبب في إنشاء مقابر دفن جماعية للضحايا في إسبانيا والولايات المتحدة والمكسيك وأستراليا وكندا بسبب عدم القدرة على الدفن الفردي.
كورونا والمقابر الجماعية
رغم التقدم الحضاري الكبير الذي وصلنا إليه حتى عام 2020 فإن استخدام المقابر الجماعية كان حلا لبعض الدول من أجل التعامل مع الأعداد الهائلة للموتى بسبب فيروس كورونا. فلجأت الدول إلى استخدام هذه المقابر في كل من الهند والولايات المتحدة الأميركية والبرازيل والصين وإيران.
مقابر جماعية بتوقيع إسرائيلي
عام 2022، وبعد مرور 55 سنة على حرب 1967 رفعت الرقابة الإسرائيلية السرية عن تقرير يؤكد لجوء الاحتلال إلى ارتكاب جريمة فضحها الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان لقناة “بي بي سي” البريطانية.
أفاد التقرير بأن مرآب متنزه “ميني إسرائيل” في كيبوتس نحشون بالقرب من اللطرون غرب مدينة القدس المحتلة، الذي ظل معروفا كحديقة سياحية مقامة على مساحة شاسعة، هو في الحقيقة يخفي تحته مقبرة جماعية لجنود مصريين قتلوا حرقا ودفنوا فيه أحياء بعد أسرهم قبل 55 عاما.
وفي غزة إضافة إلى اضطرار الفلسطينيين أمام تكدس جثث القتلى جراء القصف الإسرائيلي المتواصل ومع ارتفاع أعداد القتلى الذين يسقطون كل يوم، لم يعد أمام سكان غزة خيار سوى دفن الضحايا بالمئات في مقابر جماعية، سواء في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى بيت حانون، أو في مقابر جماعية في خانيونس، فإن الاحتلال قد حول كل قطاع غزة إلى مدافن جماعية للمفقودين تحت الأنقاض، بعد أن حولها منذ سنوات إلى سجن كبير.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على المصدر اعلاه وقد قام فريق التحرير في كل المصادر بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
التعليقات